اجازة الأبوة في لبنان: هل حقاً علينا ان نصفق؟!

اجازة الأبوة في لبنان: هل حقاً علينا ان نصفق؟!
اجازة الأبوة في لبنان: هل حقاً علينا ان نصفق؟!

هل علينا فعلاً التصفيق للبنان الرسمي الذي أقرّ اخيراً إجازة الأبوّة أم علينا التمهل قبل البدء "بالتهييص" والترحيب والإشادة بهذه "الخطوة الإيجابية" الجديدة؟

لم يكن الآباء العاملون في لبنان يحظون بفرصة البقاء في المنزل بعدما يرزقون بمولود (ة). بالكاد كانوا يتابعون لحظات الولادة، ومن رغب منهم بقضاء بضعة أيام مع "الضيف" الجديد، كان عليه استخدام عطلته السنوية أو طلب إجازة غير مدفوعة. ليس غريباً في المجتمع اللبناني الذي تصفه مختلف الجهات الحقوقية المناضلة بأنه "ذكوريّ"، أن يبدو هذا الواقع طبيعياً، لا غبار عليه. فالمرأة هي من تحمل وتلد وتربي وتسهر الليالي وتطبخ وتنظف، فيما يضطلع الرجل بدور المعيل، المنهمك طيلة النهار في تحصيل لقمة العيش. أصلاً، ظلّت إجازة الأمومة في لبنان 49 يوماً حتى أربعة أعوام إلى الوراء من تاريخنا هذا. 66 سنة استغرق الأمر قبل أنّ يعدّل مجلس النواب مادتين في قانون العمل ليرفع هذه الإجازة إلى 70 يوماً. فترة ضئيلة وغير كافية، لا من الناحية العلمية والصحية والنفسية، ولا إذا ما قورنت مع إجازات الأمومة في دول العالم المتحضر.

نعود إلى إجازة الأبوة التي مُنح بموجبها الموظف والأجير ثلاثة أيام بأجر كامل عندما يرزق بمولود، وذلك ضمن فترة شهرين على الاكثر من تاريخ الوضع. مشروع القانون كان قد قدّمه وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان ووافق عليه مجلس الوزراء وتمّ توقيعه من قبل رئيس الحكومة ووزيري العدل والمال وأحاله رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب لمناقشته في اللجان النيابية حيث يرقد اليوم تمهيداً لإقراره.

يتردد أنّ مدّة الإجازة التي اقترحت بداية كانت تصل إلى خمسة أيام، لكنّ الوزراء اعترضوا فصار أن تقلّصت لتصبح 72 ساعة. ما هي اعتبارات هؤلاء ولماذا رفضوا منح الآباء اقلّ من اسبوع يقضونه مع مولودهم (تهم) الجديد (ة)، وهي أصلاً فترة لا يحسب لها أي حساب؟! في أفضل الأحوال، ستكون الإجابة متعلقة بالوضع الاقتصادي العام في لبنان والانتاجية المطلوبة وما إلى هنالك من تفاصيل بعضها مقنع أو بالأحرى قائم وبعضها واه. لكن في أسوأ الأحوال وأكثرها احتمالية وقرباً من الحقيقة، أنّ في هذا الاعتراض تنميط قديم جديد لدوري الرجل والمرأة على حدّ سواء. قد يعتبر البعض أنّ مجرد إقرار إجازة الأبوة هو إنجاز بصرف النظر عن مدتها ذلك أنه يعني إقرارا ًبدور الاب في الاهتمام بالطفل وتربيته، وهذا الأمر غير صحيح إطلاقاً لأن المضمون أهمّ من الشكل والعناوين العريضة الرنانة.

على أي حال، المشكلة ليست فقط في غياب المساواة بين الرجل والمرأة، ولا في الإصرار على تنميط الأدوار وتوزيعها بشكلّ غير منطقي ومضرّ بالمجتمع ككل، بل هي تكمن أيضاً في مفهوم المعنيين للإجازة الأبوية وفي كيفية مقاربتهم أهدافها وأهميتها.

نعم، يحصل الزوجان في السويد على 480 يوماً كإجازة عائلية يتقاسمانها إلى أن يبلغ الطفل (ة) 8 أعوام. يمكن أن "يجيّر" الأب إجازته إلى الأم، لكنه مجبر بـ 60 يوماً مهما حصل. لا تأتي السويد بمثل هذه القوانين والأنظمة من منطلق المساوة بين الرجل والمرأة وحسب، ولا لكونها تعتمد نظام رعاية متكاملاً يضمن الحقوق والكرامات، وليس لأن اقتصادها جيّد، بل لأنّ محور قراراتها يكون الطفل أولاً وآخراً. تدرك السويد، ودائما على سبيل المثال لا الحصر، أنّ وجود الأهل مع الطفل، وبخاصة في مراحل عمره الأولى، ليس ترفاً أو خياراً، بل إنه واجب على الجميع الالتزام به.

كيف تخبر شعبها بذلك؟ حسناً، بقانون واضح وصريح. بقانون تقول لهم أموراً كثيرة. تنمط الأدوار كما تشاء وتغيّر المجتمع وتصقل المستقبل.

في لبنان، قد يفضل البعض سياسة التمهيد والتغيير البطيء غير الصادم. لكن حقاً، هل علينا الانتظار 66 عاماً قبل أن يتنعم المسؤولون على اللبنانيين ببضعة ايام إضافية؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى ترامب يطالب بايدن بإجراء اختبار معرفي بسبب قرارته “المريعة”