بري: قد لا نصمد حتى وصول بايدن!

بري: قد لا نصمد حتى وصول بايدن!
بري: قد لا نصمد حتى وصول بايدن!

كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:

باستثناء اجتماعات الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، الوفيرة والقليلة الجدوى، لا تواصل بين اي احد وآخر حيال مأزق تأليف الحكومة. لا الرئيسان يتفقان، ولا الرئيس المكلف يتحدث مع الكتل المعنية بدورها بالتأليف، ولا يسأل عن وسيط لمساعدته على تذليل العراقيل

ليس معتاداً ان يكون رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعيداً من اي دور له في ازمة تأليف حكومة، والمؤازرة للإفتاء بتذليل العقبات. غير المعتاد ايضاً ما يقوله امام الزوار القليلين الذين يجتمع بهم كأنه استسلم للفراغ: «لا احد يحكي مع احد، كما لو ان لا تأليف لحكومة. اذا كان البعض ينتظر وصول (الرئيس الاميركي المنتخب جو) بايدن الى البيت الابيض، فليس مؤكداً اننا سنصمد الى ذلك الوقت؟».

مع ان برّي يسلّم بأن لا دور دستورياً له في تأليف الحكومة، ما خلا التشاور معه كرئيس كتلة وازنة، ولا يتدخّل ما لم يُسأل رأيه، ولا يتوسط الا عندما يُدعى الى وساطة، الا ان مثار استغرابه ان التواصل مقطوع تماماً بين الافرقاء المعنيين بالتأليف. على مرّ تجاربه الطويلة، وخصوصاً في العقد الاخير، لم ينقطع حوار رئيس مكلف والكتل مرة مع كل ما كان يشوبه من خلافات وتناحر.

بعد كل اجتماع بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف لا يُسرَّب سوى ما اختلفا عليه. ما ان يقولا بعد اجتماع انه ايجابي، يليه آخر ينقض كل ما بدا انهما تفاهما عليه، في الحصص والحقائب والاسماء. المغزى الساذج لما تشيعه اجتماعاتهما، وهو ما يصر الحريري على إبرازه، انهما وحدهما اللذان يؤلفان الحكومة كونهما صاحبي الصلاحية الدستورية. لا شريك للرئيس المكلف في التأليف الا رئيس الجمهورية، لكن في مرحلة ما بعد وضع مسودته. لا يطول الوقت قبل تبيان الاصل: لا عون واقع تحت الضغوط كي يتنازل. ولا الحريري يستعجل تأليف حكومة الا التي لم يتمكن والده الراحل الرئيس رفيق الحريري من تأليفها مرة. ما لم يسع الاب ان يفعله مع السوريين والكتل الرئيسية شريكته في التأليف، مقدار رئيسي الجمهورية اللذين رافقاه، تدغدع الابن الآمال بأنه سيفعل: ان يؤلف هو بنفسه كل حكومته. يوقّع له رئيس الجمهورية مراسيمها. يختار الوزراء المسيحيين والسنّة، ويوافق على الوزراء الشيعة والدروز. يأتي بمَن يشاء ويستبعد مَن يريد.

ما يحدث منذ تكليف الحريري قبل شهر، في 22 تشرين الاول، كما من قبله عند تكليف السفير مصطفى اديب ودوافع اعتذاره، يُبيّن في آن بطلان الظاهر والباطن. لا رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وحدهما قادران على تأليف الحكومة – كصاحبي الاختصاص الدستوري – من دون العودة الى الكتل الرئيسية، ولا الاتفاق مع كتل نيابية رئيسية دون سواها كاف كي تبصر الحكومة الجديدة النور. عند تكليفه اوحى الحريري بأن مهمته شبه منجزة، بعد اتفاقه مع الثنائي الشيعي ووليد جنبلاط على حصصهما، على ان يتدبّر مع رئيس الجمهورية الحصص المسيحية، متجاهلاً دور النائب جبران باسيل وكتلته النيابية قبل فرض العقوبات الاميركية عليه ثم بعدها. بانقضاء شهر على التكليف، اضحى في وضع اكثر تعقيداً: لا حصة الثنائي الشيعي مرت، ولا تجاهل باسيل اثمر، ولا العقوبات اضعفت رئيس الجمهورية. فقد الحريري دوره المنوط به وضع تصوره للحكومة الجديدة، ولم يعد يسعه سوى مراقبة كل ما ترتب على تكليفه منذ 22 تشرين الاول، ويتوقع صدمة ما من الخارج:

1 – عندما تقول الرئاسة الفرنسية انها تريد للحكومة اللبنانية وزراء موثوقاً بهم دولياً، تضع للرئيس المكلف مواصفات لا يعثر عليها عنده من بين الاسماء التي ذُكر انه حملها الى رئيس الجمهورية، ولا في عداد سواها ممّن ستسميها الكتل والاحزاب التي تريد باريس في مبادرتها استبعادها من الحكومة. وعندما يطلب الاميركيون حكومة لا تمثيل مباشراً او غير مباشر فيها لحزب الله، فذلك يعني ان الجزء من الكل، اي تأليف الحكومة، اضحى مدوَّلاً، واقعاً تحت كاشف اضواء دولي، لا يكتفي بقول ما يريد وما لا يريد، بل ينهي ويفرض. في جانب من هذا النهي، ايحاءات للحريري باحتمال تعرّض تسعة من معاونيه للعقوبات اذا ضم حزب الله الى حكومته تحت اي مسمّى.

2 – رغم الاعتقاد بأن الحريري لم يتخلَّ عن ربط نزاعه بحزب الله، وتيقنه – لاسباب محلية ومذهبية اكثر منها اقتداءً بالحجج الاميركية – من ان لا حكومة من دون موافقته المتمثلة بمشاركة ما في تأليفها، يعرف في الوقت نفسه انه بات اضعف من ان يتجرأ على وضع مسودة في عِدادها ممثلون، مباشرون او غير مباشرين لحزب الله. ما بدا متاحاً مع سلفه اديب اضحى مستحيلاً الآن. لم يعد مفيداً وذا اهمية اظهار تخليه عن حقيبة المال لحركة امل وقبوله بحقيبة خدمات لحزب الله كالصحة وترك الحرّية لهما في اختيار وزرائهما. عرض كهذا كان الحريري سبّاقاً ابان تكليف اديب الى تقديمه الى الثنائي الشيعي، وساهم في اقصاء السلف المكلف كي يقدمه هو بنفسه.

سقط ذلك التنازل مذ اخطره الاميركيون برفضهم وضع حقيبة المال في يد حركة امل، لئلا يُتاح لحزب الله من خلالها الحصول على تمويل لنشاطاته التي يعدّها الاميركيون ارهابية. لم يكن ادراج اسم الوزير السابق علي حسن خليل في لائحة العقوبات الاميركية في 8 ايلول رسالة الى حركة امل تكتفي برفض عودة الحقيبة اليها، بل بتأكيد انها لن تكون بين يدي اي وزير يمت بصلة الى الحركة والحزب في آن. الامر نفسه يرتبط بوضع حقيبة خدماتية لدى حزب الله، وإن من خلال وزير اختصاصي. كانت السفيرة في بيروت دوروثي شيا وجهت اشارة سلبية سلفاً عندما كشفت ان إحجام حكومتها عن تقديم مساعدات الى وزارة الصحة في ظل وزيرها الاختصاصي الحالي حمد حسن بسبب ارتباطها بالحزب.

3 – ليس خفياً على احد ان العقوبات الاميركية والتلويح وإن من بعد باحتمال انضمام عقوبات اوروبية اليها، باتت جزءاً لا يتجزأ من ادارة الصراع السياسي الداخلي في البلاد. لم تعد العقوبات هذه موقفاً اخلاقياً مرتبطاً بالمساءلة والعقاب على مخالفة القوانين وتفشي الفساد، مقدار ما هي في صلب الاخلال بالتوازنات اللبنانية الحساسة. عندما فُرضت العقوبات الاميركية على باسيل بدت لوقت قصير، وتطوّع كثيرون للترويج لها على انها مساءلة اخلاقية لفاسد، قبل ان يفصح الاميركيون قبل سواهم عن سر العقوبات هذه، ويعزوها الى تحالفه مع حزب الله. بذلك تساوى باسيل وحزب الله عند الاميركيين، ليس في طردهما من النظام المصرفي الدولي فحسب، بل في ادراجهما في لائحة مَن يُفترض ان يكونوا خارج السلطة اللبنانية، والاعتقاد تالياً ان من السهولة بمكان بناء سلطة جديدة بدءاً من تأليف حكومة لا مكان لهما فيها.

عندما تصبح المواجهة بين واشنطن وحزب الله مباشرة على الارض اللبنانية، يمسي تأليف الحكومة ودور الرئيس المكلف ثانوياً، هامشياً، من عدّة الشغل.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى ترامب يطالب بايدن بإجراء اختبار معرفي بسبب قرارته “المريعة”